«كثيراً ما ممتعاً أن يتذكر الإنسان طفولته، غير أن تذكر(مطلع الفتوة) بسرور يدل على نقص في الذاكرة، فالمراهقة فترة مضطربة، فوضوية، شاقة، يخشاها كثير من الآباء، إنها فترة الحياة التي تعقب الطفولة، وتمتد حتى سن الرشد.
فهي تبدأ من السنة الرابعة عشر حتى العشرين لدى الصبي، و من الثانية عشر حتى الثامنة عشر لدى البنت.
ومن المؤكد أن هذه المقاييس تتغير تبعاً للمناخ، و العرق، والبيئة الاجتماعية التي يمكن أن تفرض بعض التكيفات المبكرة أو المتأخرة.»
البلوغ
البلوغ باب المراهقة... إنه بعث إن صح القول. فالطفولة تبتعد و ألعاب الأطفال تهمل، والتوازن ينفقد، والطبع في عدم استقرار بارز، والوجود الناعم تحت حماية الأبوين ينتهي.
أليس البلوغ لدى كثير من الشعوب موتاً و بعثاً في وقت واحد؟ لقد جعلتنا السينما نألف بعض طقوس (المسارة)، طقوس قاسية لا تعرف الشفقة، مخصصة من أجل أن تقود البالغ الفتى إلى وجوده الجديد، وجود الرجل...
ينطلق المراهق برعونة في الحياة بوصفه مبتدئاً فيها، فالجمود و الانفعالات و التهور هي الصفات التي تميزه. وتظهر أحلام اليقظة لديه: إن المراهق يكتشف (أنا)ه، ويقارن بين نفسه و بين من يحيط به، ويكتشف مفهوم الزمن، ويشرع في صنع مشاريع المستقبل. هذا الاكتشاف، اكتشاف المستقبل و الماضي، يسوقه إلى السعي لمعرفة أين هو: ذلك في عصر المذكرات اليومية...
إن كشف (أنا) المراهق لا يمكنه، بالطبع، إلا أن يعرضه إلى القلق. إنه يمتحن مشاعره، ويبحث في نفسه ويفحصها وينسحب منعزلاً. إنه يحاول قبل كل شيء أن يفهم ما يحدث له، فيسعى إذن أن يحلل نفسه. وبوصفه مشوشاً في ركام تناقضاته الداخلية، فإنه يبحث متحمساً عن انفعال و عن اتجاه يستطيعان مساعدته على أن يرى بوضوح أكبر ... خياله يتخبط ، مذعور بعض الشيء، لا يعرف بأي شيء يبدأ ولا من أي طرف يمسك العالم الواسع ... فترتفع رايات التمرد: إنها الهجمات المخططة ضد (اللحى القديمة)، وضد (الشيوخ الذين أفناهم الكبر)، ضد القيم القائمة و القواعد الاجتماعية و الأخلاقية التقليدية. إنه التمرد، كذلك، الخفي أو المكشوف، ضد العائلة، تمرد يدب الذعر في نفوس المربين أغلب الأحيان. وتستمر غرابات المراهق: فهو يتفوه بأحاديث عجيبة، وتثير(الضجيج) والصحب بلا داع، ويسخر من أبيه و أمه و مجتمعه. إنه عضو في (عصابات) لها نواديها و قوانينها السرية.
ثمة اكتشاف رئيسي آخر: القيم الروحية. وتنفجر الأزمات الفلسفية و الأخلاقية.
فالمراهق مشغول بالخير و الحق و الجمال. إنه ينخرط في مناقشات حامية الوطيس أحياناً.
ولئن جعلت منه (أنا)ه شخصاً مرتبكاً، فإن من الطبيعي أن يحاول الخروج من هذا الارتباك. فيبحث عن التعاطف و السند متجهاً نحو الصداقة و الحب ببطء. إنها الفترة التي تسمى( مرحلة إنقاذ الأنا).
ويشتعل البركان فتظهر الأهواء الكبيرة، الجامحة، المؤلمة، العمياء، كما تظهر ضروب النفور العنيفة كذلك. ويشعر المراهق بالود المتحيز، الغيور، المتشكك، إنه يبحث غالبا عن صداقة شخص أصغر منه سناً يتيح له أن يؤكد ذاته بشكل أفضل. وقد يحدث أحياناً أن يكرس نفسه، جسماً و روحاً، إلى شخص راشد موضع إعجاب، أستاذ، عالم، كاتب،إلخ...
أما عن صداقة المراهقين ... فإن المراهق يحب صديقه، ويؤمن به، إنه يضحي بنفسه في سبيله، ويقلده، ويتسرب القلق إلى نفوس كثير من الآباء بشأن هذه الصداقة المشبوهة العاطفة، ويخشون الانحرافات الجنسية. فليطمئنوا: إن الحالة نادرة بالأحرى.
المظاهر الجسمية: تتميز المراهقة بظهور الوظائف التناسلية و الخصائص الجنسية الثانوية، كظهور الشعور و نمو الوركين و الثديين لدى البنات و تبدل الصوت، إلخ.
ولكن هذا ليس كل شيء: ثمة نكبة جديدة تحل: إنها تغير الصوت. فالفتى يتأمل بيأس تفاحة أدم هذه التي تبرز بروزاً مخجلاً. إنه يشعر شعوراً وكأنه وسواس بهذه التفاحة المقيتة تصعد و تهبط. والصوت إياه.
ثمة ظاهرة هامة أخرى: وظيفة الإنجاب. فالخلايا التناسلية تدخل مرحلة النضج، و يختلف ظهور العادة الشهرية عند البنات. ويكون ظهورها، في المتوسط، بين الثانية عشرة و الرابعة عشرة. وثمة بنيات يشاهدن ظهور عاداتهن الشهرية في الحادية عشرة من عمرهن. وأخريات يشاهدنها فيما بعد بكثير، حوالي الثامنة عشرة. هذه التغيرات منوطة بالعرق و الحرارة و بعض البيئات الاجتماعية. وينمو عضو التأنيث لدى الفتاة، والخصيتان و الأعضاء الخارجية لدى الصبي.
المرجع: كتاب الانتصارات المذهلة لعلم النفس
للفيلسوف: بيير داكو